فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم أيوب ثم الخضر وهو خضرون، ثم داود بن إيشا ثم سليمان ابن داود، ثم يونس بن متى، ثم إلياس ثم ذا الكفل واسمه عويدنا من سِبط يهوذا بن يعقوب؛ قال: وبين موسى بن عمران ومريم بنت عمران أم عيسى ألف سنة وسبعمائة سنة وليسا من سِبط؛ ثم محمد بن عبد الله بن عبدالمطلب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الزبير: كل نبي ذكر في القرآن من ولد إبراهيم غير إدريس ونوح ولوط وهود وصالح.
ولم يكن من العرب أنبياء إلا خمسة: هود وصالح وإسماعيل وشعيب ومحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين؛ وإنما سموا عربًا لأنهم لم يتكلم بالعربية غيرهم.
قوله تعالى: {والنبيين مِن بَعْدِهِ} هذا يتناول جميع الأنبياء ثم قال: {وَأَوْحَيْنَا إلى إِبْرَاهِيمَ} فخص أقواما بالذكر تشريفًا لهم، كقوله تعالى: {وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] ثم قال: {وعيسى وَأَيُّوبَ} قدّم عيسى على قوم كانوا قبله؛ لأن الواو لا تقتضي الترتيب، وأيضًا فيه تخصيص عيسى ردًا على اليهود.
وفي هذه الآية تنبيهٌ على قدر نبينا صلى الله عليه وسلم وشرفه حيث قدّمه في الذكر على أنبيائه؛ ومثله قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ} [الأحزاب: 7] الآية؛ ونوح مشتق من النَّوْح؛ وقد تقدّم ذكره مَوْعَبا في آل عمران وانصرف وهو اسم أعجمي؛ لأنه على ثلاثة أحرف فخفّ؛ فأما إبراهيم وإسماعيل وإسحاق فأعجمية وهي معرفة ولذلك لم تنصرف، وكذا يعقوب وعيسى وموسى إلا أن عيسى وموسى يجوز أن تكون الألف فيهما للتأنيث فلا ينصرفان في معرفة ولا نَكِرة؛ فأما يُونس ويُوسف فروى عن الحسن أنه قرأ {ويُونِس} بكسر النون وكذا يُوسِف يجعلهما من آنس وآسف، ويجب على هذا أن يُصرفا ويُهمزا ويكون جمعهما يآنِس ويآسِفُ.
ومن لم يهمز قال: يوانِس ويواسف.
وحكى أبو زيد: يونس ويوسف بفتح النون والسين؛ قال المهدوي: وكأن يونِس في الأصل فِعل مبني للفاعل، ويونَس فعل مبني للمفعول، فسمي بهما. اهـ.

.قال الفخر:

قرأ حمزة {زَبُورًا} بضم الزاي في كل القرآن، والباقون بفتحها، حجة حمزة أن الزبور مصدر في الأصل، ثم استعمل في المفعول كقولهم: ضرب الأمير، ونسج فلان فصار اسمًا ثم جمع على زبر كشهود وشهد، والمصدر إذا أقيم مقام المفعول فإنه يجوز جمعه كما يجمع الكتاب على كتب، فعلى هذا، الزبور الكتاب، والزبر بضم الزاي الكتب، أما قراءة الباقين فهي أولى لأنها أشهر، والقراءة بها أكثر. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} الزّبور كتاب داود وكان مائة وخمسين سورة ليس فيها حكم ولا حلال ولا حرام، وإنما هي حِكَم ومواعظ.
والزَّبْر الكتابة، والزبور بمعنى المزبور أي المكتوب، كالرَّسول والرَّكُوب والحَلوب.
وقرأ حمزة زُبُورًا بضم الزاي جمع زَبْر كفَلس وفُلُوس، وزَبْر بمعنى المزبور؛ كما يقال: هذا الدرهم ضَرْب الأمير أي مَضروبه؛ والاْصل في الكلمة التوثيق؛ يقال: بئر مزبورة أي مطوية بالحجارة، والكتاب يسمى زبورًا لقوّة الوثيقة به.
وكان داود عليه السلام حسن الصوت؛ فإذا أخذ في قراءة الزبور اجتمع إليه الإنس والجِنّ والطير والوحش لحسن صوته.
وكان متواضعًا يأكل من عمل يده؛ روى أبو بكر بن أبي شيبة حدّثنا أبو أسامة عن هشام بن عُروة عن أبيه قال: أن كان داود صلى الله عليه وسلم ليخطب الناس وفي يده القفّة من الخوص، فإذا فرغ ناولها بعض مَن إلى جنبه يبيعها، وكان يصنع الدُّرُوع، وسيأتي في الحديث: «الزرقة في العين يُمْن» وكان داود أزرق. اهـ.

.قال الشوكاني:

قال القرطبي: وهو مائة وخمسون سورة ليس فيها حكم، ولا حلال ولا حرام، وإنما هي حكم ومواعظ. انتهى.
قلت: هو مائة وخمسون مزمورًا.
والمزمور: فصل يشتمل على كلام لداود يستغيث بالله من خصومه، ويدعو الله عليهم ويستنصره، وتارة يأتي بمواعظ، وكان يقول ذلك في الغالب في الكنيسة، ويستعمل مع تكلمه بذلك شيئًا من الآلات التي لها نغمات حسنة، كما هو مصرّح بذلك في كثير من تلك المزمورات.
والزبر: الكتابة.
والزبور بمعنى المزبور، أي: المكتوب.
كالرسول، والحلوب، والركوب.
وقرأ حمزة: زَبُورًا بضم الزاي، جمع زبر كفلس وفلوس.
والزبر بمعنى المزبور، والأصل في الكلمة التوثيق يقال بئر مزبورة، أي: مطوية بالحجارة، والكتاب سمي زبورًا لقوّة الوثيقة به. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163)}
إفراد النبي صلى الله عليه وسلم من الأنبياء بالإيمان لإفرادهم بالتخصيص والفضيلة؛ فأفرد نوحًا على ما استحقه من المقام وأفرد رسولنا عليه السلام على ما استحقه هو، فاشتركا في الإفراد لكنهما تباينا في الفضيلة على حسن المقام، فتفرَّد واحد من بين أشكاله بغير فضائل، وتفرَّد آخر من بين أضرابه بألف فضيلة. اهـ.

.من فوائد الثعلبي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} الآية، نزلت في اليهود وذلك لما أنزل الله تعالى قوله: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكتاب أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السماء} [النساء: 153] إلى قوله تعالى: {وَكَانَ الله عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 165].
لفضحهم وذكر عيوبهم وذنوبهم؛ غضبوا وقالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء وأنزل {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلى نُوحٍ} جعله الله تعالى ثاني المصطفى صلى الله عليه وسلم في موضعين من كتابه في أهل الميثاق بقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ} [الأحزاب: 7] والثاني في الوحي، فقال: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلى نُوحٍ} فإن قيل: ما الحكمة في تقديم نوح على سائر الأنبياء وفيهم من هو أفضل منه؟ يقال: لأنه كان أبو البشر قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين} [الصافات: 77] وقيل: لأنه أول نبي من أنبياء الشريعة وأول داع ونذير عن الشرك.
وقيل: لأنه أول من عذب أمّته لردّهم دعوته وأهلك كل الأرض بدعائه عليهم لأنه كان أطول الأنبياء عمرًا.
وقيل: إنه كبير الأنبياء، وجعل معجزته في نفسه لأنه عُمِّر ألف سنة ولم ينقص له سن ولم تنقص له قوة ولم يشب له شعر.
وقيل لأنه لم يبالغ أحد من الأنبياء في الدين ما بالغ نوح ولم يصبر على أذى قوم ما صبر نوح وكان يدعو قومه ليلًا ونهارًا إعلانًا وإسرارًا وكان يشتم ويضرب حتى يغمى عليه فإذا فاق دعا وبالغ وكان الرجل منهم يأخذ بيد إبنه فيقول له: يابني إحذر هذا فإنه ساحر كذاب. قال الله تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وأطغى} [النجم: 52].
وقال من عتق عنه [......] يوم القيامة بعد محمد صلى الله عليه وسلم وقيل لأن مقامه الشكر قال الله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3] فكما [......] القرآن فكذلك نوح عليه السلام صدر [......] وقال أول من يُدَعى إلى الجنة الحمّادون لله على كل حال.
{وَأَوْحَيْنَا إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ والأسباط} وهم أولاد يعقوب {وعيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} قرأ يحيى بن وثاب، والأعمش وحمزة {زَبُورًا} بضم الزاي بمعنى جمع زبر وزبور كأنه قال: قد كتبنا صحفًا من بعده أي مكتوبة، والباقون بفتح الزاي على أنه كتاب داود المسمى زبورًا، وكان داود يبرز إلى البرّية فيدعو بالزبور وكان يقوم معه علماء بني اسرائيل فيقومون خلفه. ويقوم الناس خلف العلماء ويقوم الجن خلف الناس، الأعظم فالأعظم في [فلاة] عظيمة ويقوم [الناس] لهذا الجن الأعظم فالأعظم وتجيء الدواب التي في الجبال، إذا سمعن صوت داود فيقمن بين يديه تعجبًّا لما سمعن منه، وتجيء الطير حتى يظللن داود وسليمان والجن والإنس في كثرة لايحصيهم إلاّ الله عز وجل يرفرفن على رؤسهم ثم تجيء السباع حتى تخالط الدواب والوحش لما سمعن حتى من لم ير ذلك، فقيل له: ذاك أنس الطاعة، وهذه وحشة المعصية.
وروى طلحة بن يحيى عن أبي بردة أبي موسى عن أبيه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو رأيتني البارحة وأنا أستمع لقرآنك، لقد أُعطيت مزمارًا من مزامير آل داود» قلت: أما والله يا رسول الله لو علمت إنّك تسمع قراءتي لحسّنت صوتي وزدته تحبيرًا.
وكان عمر رضي الله عنه إذا رآه قال: ذكّرنا يا أبا موسى فيقرأ عنده.
وعن أبي عثمان النهدي وكان قد أدرك الجاهلية، قال: ما سمعت طنبورًا ولا صنجًا ولا مزمارًا أحسن من صوت أبي موسى وإن كان لَيَؤُمّنا في صلاة الغداة لنودّ أنه يقرأ سورة البقرة من حسن صوته حيث نزع حرف الصفة فالمعنى: كما أوحينا إلى نوح وإلى رسل. اهـ.

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلى نُوحٍ والنبيين مِن بَعْدِهِ} جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم {أن ينزل عليهم} كتابًا من السماء، واحتجاج عليهم بأن شأنه في الوحي كشأن سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين لا ريب في نبوّتهم، وقيل: هو تعليل لقوله تعالى: {الراسخون في العلم} [النساء: 162].
وأخرج ابن إسحاق وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال؛ قال سكين وعدي بن زيد: يا محمد ما نعلم الله تعالى أنزل على بشر من شيء بعد موسى عليه السلام فأنزل الله تعالى هذه الآية. والكاف في محل النصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي إيحاءًا مثل إيحائنا إلى نوح عليه السلام، أو حال من ذلك المصدر المقدر معرفًا كما هو رأي سيبويه أي إنا أوحينا الإيحاء (حال كونه) مشبهًا بإيحائنا إلخ، و(ما) في الوجهين مصدرية.
وجوّز أبو البقاء أن تكون موصولة فيكون الكاف مفعولًا به أي أوحينا إليك مثل الذي أوحيناه إلى نوح من التوحيد وغيره وليس بالمرضى، و(من بعده) متعلق بأوحينا ولم يجوّزوا أن يكون حالًا من النبيين لأن ظروف الزمان لا تكون أحوالًا للجثث، وبدأ سبحانه بنوح عليه السلام تهديدًا لهم لأنه أول نبي عوقب قومه، وقيل: لأنه أول من شرع الله تعالى على لسانه الشرائع والأحكام، وتعقب بالمنع، وقيل: لمشابهته بنبينا صلى الله عليه وسلم في عموم الدعوة لجميع أهل الأرض، ولا يخلو عن نظر لأن عموم دعوته عليه السلام اتفاقي لا قصدي، وعموم الفرق على القول به وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه ليس قطعي الدلالة على ذلك كما لا يخفى.
{وَأَوْحَيْنَا إلى إبراهيم} عطف على {أَوْحَيْنَا إلى نُوحٍ} داخل معه في حكم التشبيه أي كما أوحينا إلى إبراهيم {وإسماعيل وإسحاق وَيَعْقُوبَ وَالاسْبَاطَ} وهم أولاد يعقوب عليه السلام في المشهور، وقال غير واحد: إن الأسباط في ولد إسحاق كالقبائل في أولاد إسماعيل، وقد بعث منهم عدة رسل، فيجوز أن يكون أراد سبحانه بالوحي إليهم الوحي إلى الأنبياء منهم كما تقول: أرسلت إلى بني تميم، وتريد أرسلت إلى وجوههم، ولم يصح أن الأسباط الذين هم أخوة يوسف عليه السلام كانوا أنبياء بل الذي صح عندي وألف فيه الجلال السيوطي رسالة خلافه {وعيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وهارون وسليمان} ذكروا مع ظهور انتظامهم في سلك النبيين تشريفًا لهم وإظهارًا لفضلهم على ما هو المعروف في ذكر الخاص بعد العام في مثل هذا المقام، وتكرير الفعل لمزيد تقرير الإيحاء والتنبيه على أنهم طائفة خاصة مستقلة بنوع مخصوص من الوحي، وبدأ بذكر إبراهيم بعد التكرير لمزيد شرفه ولأنه الأب الثالث للأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما نص عليه الأجهوري وغيره.